بينما يطلب الرئيس التونسي من الناخبين الموافقة يوم الإثنين على دستور جديد يمنحه سلطات أكبر، ينظر محلل شؤون شمال إفريقية، مجدي عبد الهادي، إلى الرجل الذي يعتبره أنصاره منقذا وخصومه مغتصب السلطة.
ومن الواضح أن الرئيس قيس سعيد، يشعر بأنه قدر تونس. وعلى الرغم من أن خطه الاستبدادي ليس فريدا ولا جديدا على تونس أو المنطقة، إلا أن مؤهلاته الأكاديمية وأسلوبه الخطابي يفصله مسافة طويلة عن جميع المستبدين العرب الآخرين.
ويلقي أستاذ القانون السابق خطاباته بلغة عربية فصيحة لا تشوبها شائبة، وغالبا ما تكون مدروسة، وبوتيرة مدروسة، ينقل إحساسا برجل يزن كلماته بعناية، بتركيز واضح ورؤية وتصميم صارم.
وعلى الرغم من الانتقادات المتزايدة في الداخل والخارج على حد سواء، بقي منذ أن سيطر على السلطة بشكل كامل في تونس قبل عام، على وجهته، ووجهته هو فقط ، دون أن يوقفه أحد. وقد يكون ذلك جزءا من جاذبيته لدى العديد من التونسيين.وكانت تونس مهد الربيع العربي، الذي شهد الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في عام 2011
ولكن بعد أكثر من عقد من عدم الاستقرار السياسي، والذي شهد ظهور وذهاب عشر حكومات وخلافات لا نهاية لها في البرلمان، والتي تحولت في بعض الأحيان إلى أعمال عنف، سئم العديد من التونسيين ببساطة من هذه "الديمقراطية"، التي لم تحقق أي تحسن ملموس في جودة الحياة.
وعلى العكس من ذلك، كان الاقتصاد في حالة سقوط حر، حيث تشير جميع المؤشرات الاقتصادية إلى الاتجاه الخاطئ: التضخم والبطالة يرتفعان، وكذلك الديون الخارجية وانخفضت قيمة الدينار التونسي.
وازدادت الأمور سوءاً مع انتشار جائحة كوفيد وأكثر من ذلك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتأثيره على أسعار الغذاء والطاقة.
وسعيد ليس ضد الثورة التونسية، على الأقل هذا ما يقوله علناً، بل إنه يرى نفسه رجل الشعب الذي "يصحح" مسار الثورة.
لكن كلمة "تصحيح" لها تاريخ سيء السمعة في السياسة العربية. إذ غالباً ما تم استخدامها لتبرير الاستيلاء على السلطة.
ما يدفع قائد "التصحيح" للقيام بما يقوم به، هو نكران الذات وإحساس عميق بثقل التاريخ على كتفيه. إنه يريد أن يصحح التاريخ.
ويكرس مشروع الدستور الذي يطرحه سعيد هذه الرواية.
ويتحدث باسم الشعب التونسي الذي لم تتم استشارته بأي شكل من الأشكال في صياغته، تقول مسودة الدستور: "انطلاقاً من إحساس بالمسؤولية التاريخية العميقة لتصحيح مسار ثورة [2011] ومسار التاريخ نفسه، هذا ما حدث في 25 يوليو/تموز 2021 ".
ذلك هو اليوم الذي أقال فيه الرئيس سعيّد الحكومة وعلق البرلمان وشرع في مهمته الفردية لإعادة تصميم المستقبل السياسي للبلاد.
ويقول النقاد، من جهتهم، إنه يعيد تونس إلى ما كانت عليه قبل الربيع العربي 2011، إلى حكم الفرد المطلق.
وسنكتشف قريباً ما إذا كان التونسيون سيؤيدون هذه الرواية أم يدعمون سلطوية سعيد.
وفي الواقع، ليس التونسيون وحدهم من أعربوا عن خيبة أملهم من الديمقراطية. إن خيبة الأمل من قدرة نظام حكم ديمقراطي على معالجة الصعوبات الاقتصادية هي جزء من اتجاه أوسع للتصورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
ووفقاً لاستطلاع حديث، فإن 81٪ من التونسيين يفضلون زعيما قويا و 77٪ يهتمون بحكومة فعالة أكثر من الشكل الذي تتخذه.